(الحلقة رقم 20)
بعد غياب ما يقارب اكثر من سنتين ونصف اعددت العدة للسفر مرة اخرى الى غرب دارفور وصولا الى قرية اختلط فيها الفقر بالدين بالسحر بالكرامات , كنت محملا هذة المرة بهدايا من الوزن الثقيل والتي استقبلها اهالي القرية بالفرح .
وصلت الى العاصمة ومنها استأجرت عربتي نقل وملائتها بالمواد الغذائية والملابس وسارت القافلة بإتجاة القرية التي كان خبر قدومي اليها قد سبق وصولي بعدة ايام , اقتربت القافلة من اطراف القرية فكان كثير من الاهالي في انتظارنا , وعلى رأسهم الشيخ محمد الذي اخذني بالا حضان ثم تتالى السلام على الحضور واكملنا مسيرنا الى القرية البعض تعلق في جوانب السيارات والبعض سيرا بجوار القافلة , وصلنا القرية وكانت مظاهر الفرح بادية على الوجوه وكلا عبر عن سعادته بطريقتخ الخاصة ولكن الغناء والرقص كان سيد الموقف .
اخذت انظر بين الجموع لعل عيني تقع على الشيخ موسى , ولكن لم اراه بين الجموع , وعند السؤال عنة عرفت انه غادر القرية قبل وصولي بيومين بغرض الصلح بين قبيلتين متنازعتين وعادة هذه الامور تأخذ وقتا طويلا وان غيابه قد يطول لشهر او يزيد وقد اوصى بأن انتظره لحين عودته , وقد اصابني حزن شديد لعدم وجوده .
استمر الاستقبال يومين متتاليين اشترك فية الكل الصغار والكبار النساء والرجال , الناس لا زالوا على حالهم الطيبة طابع الجميع والابتسامة تكسوا الوجوة والفقر عامل مشترك , جلست في منزل الشيخ محمد وحكيت لة ما حدث معي وحاولت ان اقنعه بأنني استطيع ان اجعله يراني افعل مثل الشيخ موسى وبدون الاستعانة بالجن , ثم ادعي انها كرامات , ولكنه لم يقتنع بكلامي وعندما حاولت ان اقوم معه بسحر التخيل لم ينفع الامر حاولت مرات كثيرة ولكن دون جدوى , فأكد لي ان هذا الامر لن يجدي معه , وان هذا هو الفرق بين ما اقوم به وما يحدث مع الشيخ موسى , طلبت من الشيخ محمد ان يحضر لي اي شخص اخر من القرية لاقوم بالتجربة عليه ولكنه حذرني من ذلك خوفا من انتشار فكرة ان اكون ساحر , عندها سأخسر الكثير وعلى رأسهم الشيخ موسى , ونصحني بأن انسى كل ما تعلمته وان لا افتح هذا الموضوع مع احد .
مر اكثر من اسبوع ولم اعد استطع الانتظار لذا قررت السفر الى كينيا لاني سمعت بأن هناك شخص من الماساي يجيد فنون السحر الاسود , فسافرت وكانت محطة وصولي الى نيروبي , اكتشفت ان الناس طيبون واغلبهم يشتركون في ثلاث اشياء التمسك بالدين وتعاطي المخدرات والفقر الذي يجتاح الجميع , تزودت بالكثير من الهدايا لانني تعلمت ان الهدايا هي مفتاح لكل الابواب المغلقة , وبدأت الرحلة بالتوجه الى منطة السمراي الذين تثير القصص حولهم الخوف في القلوب .
لاحظت اثناء طريقي انني كل ما مررت بمنطقة كان عدد المسلمين يقل لدرجة ان احدى القرى كان عدد المسلمين فيها رجال ونساء 9 فقط وعندما سألت عرفت ان البعثات المسيحية تزور المناطق الفقيرة وتنشىء الكنائس والمراكز الصحية وتقدم المساعدات الغذائية مما ادى بكثير من الناس الى ترك اديانهم والدخول في المسيحية كما علمت ان بعض الناس لم يسمع بالاسلام اساسا كما سنرى في القرية المرقطة التي لم يسمع سكانها بالاسلام ابدا .
بعد اجتياز الكثير من الصعاب حيث ان الطريق الى منطقة الماساي صعبة جدا فهي غير ممهدة وموحشة الا من بعض باعة حليب الابل على جوانب الطريق ,وبعض الحيوانات التي كانت تقطع الطريق , كنت طوال الطريق اسمع القصص حول هؤلاء الناس وعاداتهم وديانتهم ولكن عندما وصلت كانت الحقيقة مختلفة , كانت بداية وصولي الى السوق العام لقبيلة الماساي حيث كان المنظر مخيف فالرجال يبدوا عليهم القوة والصلابة والجدية زيهم يكاد يكون موحد , اما النساء فيضعون الحديد في رقابهم واذانهم بشكل مخيف ومقزز , علمت فيما بعد ان هؤلاء هم الفئة المتحضرة من الماساي فهم قد اختلطوا بالناس واصبح حالهم اكثر تطورا واصبح تعاملهم اكثر رقة وانسانية . (اذا كان هاؤلاء المتحضرين فما حال السكان الاصليين ؟ الله يستر فأنا في طريقي اليهم ).
بعد نقاش طويل مع احدهم وافق ان يستأذن لنا من زعيم القبيلة التي انوي الذهاب اليها وتسمى القبيلة المرقطة حتى يأذن لنا بدخول القرية , وقد حملناه بالهدايا للزعيم وبقينا ننتظره تلك الليلة في احد الفنادق الرخيصة الى ان اتتنا الموافقة اليوم الثاني , فانطلقنا بين الاحراش والادغال للوصول الى القرية المرقطة , وبعد عناء شديد وصلنا , كان اول منظر رأيته بقرة حية تنزف منها الدماء والاطفال حولها يشربون من الدماء السائلة على جسدها اصابني خوف شديد فالمكان لا يشعرك بالاطمأنان ابدا علمت لماذا يطلق على من قابلتهم في السوق بأنهم متحضرون , لحظات واستقبلنا زعيم القبيلة ومجموعة من رجال القرية كان منظرهم مرعب فهم يلبسون القليل مما يستر عورتهم واللباس عبارة عن قطعة من جلد النمر المرقط , وجوههم مخططة وعيونهم توحي بالعدوانية حالقي الرؤوس مفتولي العضلات رغم نحافة اجسادهم .
كان المكان ملىء بمجسمات من القش تمثل الاله انكاي جلسنا في عشة مسقوفة من القش وليس لها جوانب واثناء جلوسنا سألت عن الساحر المزعوم فعلمت انه يدعى الحكيم وليس ساحر فهو قريب من انكاي وانكاي يساعده في علاج المرضى وطرد الارواح الشريرة و رفع البلاء عن سكان القرية , لم يطل انتظارنا الى ان اتى شخص عاري البدن الا من القليل , اسمر البشرة مفتول العضلات يحمل في اذنيه ما يشبه الحلية وفي انفه قطعة حديد كبيرة ويعلق في صدره الكثير من العظام وله مكانة مرموقة بين الجميع .
انفض المجلس الا من القليل وبعد ان فاتحته في رغبتي سألني هل تؤمن بالاله انكاي فعندما اجبته بالنفي اكد لي بأنني لايمكن ان امنح الحكمة لانها هبة من الاله واشترط علي الايمان بأنكاي لكي تحل روحه في جسدي ويمنحني الحكمة والقوة ,ثم حدثني عن انكاي وكان انكاي في كل مكان فهو عبارة عن كرة دائرية من القش حددت ملامحه بألوان مختلفة يثبت على عود من الاشجار ملفوف بجلد الافعى المقدسة هذا هو انكاي ليس الا , ولكنه اصر ان يحكي لي عنه ولو لا خوفي منه لضحكت كثيرا على قصص انكاي الخرافية (الحمد والشكر لله على نعمة الاسلام ) ثم اصر ان يأخذني الى معبد انكاي للتأكد من ان انكاي يقبل مساعدتي , خرجنا معه الى عشة لها باب وقد كانت الوحيدة التي لها باب فباقي العشش ليس لها ابواب بل قطعة من القماش , دخلت المعبد الذي كان عبارة عن مجسمات من القش لانكاي كما يوجد العديد من الجماجم والعظام البشرية التي علمت عند السؤال عنها انها تمثل عظام الحكماء القدامى كما يوجد الكثير من المخطوطات الجلدية وتدعى الاسرار المقدسة والكثير من جلد الافاعي المجفف , وليثبت لي قدرات انكاي خرج من المعبد ووقف امام احدى الجواميس التي تمتلىء بها القرية وامامي مد يده في بطن الجاموسة واخرج شيء من لحمها (ادهشني في هذا الامر انني كان من المفروض الا اتأثر بسحر التخيل ثانيا انه فعل هذا بدون اي تهيئة مثل البخور والكلام حتى لو من باب عمل اجواء مخيفة للحضور كما افعل انا ثالثا انة فعل ذلك في مكان عام وفي وضح النهار ؟) ثم اعاد ما اخرجة الى بطن الجاموسة التي اكملت سيرها وكأن شيئا لم يكن .
ادركت عندها ان ما تعلمتة لا يمثل الا القليل جدا في هذا العلم الكبير حاولت ان اجارية في عمل بعض السحر ولكن الجميع سخر مني لانني لم استطع ان افعل شيء مماثل او مقارب .
عرضت على الساحر او الحكيم ان يعلمني ولكنه اصر بأن الايمان بانكاي هو السبيل الوحيد للتعلم , وعندما اخبرته انني لا استطيع ان اشرك احدا مع الهي سألني عن ديني فحدثته عن الاسلام واكتشفت ان القرية لم تسمع بالاسلام ابدا كما انني لم استطع اقناعهم بالاسلام لانني لا اجيد الدعوة ولا فن التخاطب .
جلست في تلك القرية يوم واحد فقط ثم غادرتها بحجة انني احتاج لبعض المتطلبات سوف اجلبها ومن ثم اعود اليهم ولكني غادرتهم ولم اعد مرة اخرى الى يومنا هذا .
ربما يظن البعض ان هذة الجزئية ليست مهمة ولكني احببت ان يرى القارىء انني مررت بسحرة ومدعين من شعوب كثيرة ولاحظت ان كلا يربط السحر بمعتقداته وتختلف التسميات من شعب لاخر والحقيقة التي ازعمها هي محصلة لكل هذة التجارب كما سنرى.
غادرت كينيا بعد ان بقيت اكثر من اسبوعين في نيروبي التي قابلت فيها اكثر من ساحر ورأيت ان بعضهم متمكن لدرجة انه استطاع ان يسيطر على عقلي ولو لبضع ثواني وهذا يدل على مدى القدرة الذهنية لمثل هذا الساحر .
عدت الى السودان وبقيت في مسكن الشيخ محمد انتظر عودة الشيخ موسى وبعد عدة ايام عاد وتقابلنا ولكننا لم نتحدث في شيء , ومر اكثر من يوم كنت ارى فيها الشيخ موسى في مسجد القرية واسمع احاديثه العذبة المدعومة بالقران الكريم والاحاديث النبوية وكثيرا ما كنت اجلس معه ومع زائريه وطلبة العلم الذين يتتلمذون على يديه في الجلسة المعدة له تحت الاشجار بجانب من القرية وكثيرا ما عجز عقلي عن قبول فكرة ان يكون الشيخ موسى يتعامل مع اعوان ابليس وفي نفس الوقت لديه كل هذا العلم الشرعي ويحفظ القران كاملا وقد ارتابني الشك في كلام ابوجعفر ولكني قلت انني مع الوقت سوف اعرف الحقيقة .
في اول فرصة جلست فيها مع الشيخ موسى منفردا , حكيت له ما حدث معي من احداث وما واجهته من مصاعب وما وصلت اليه من علم قليل في السحر الغير حقيقي , كما اخبرته برغبتي في الوصول لحقيقة تنزيل الاموال بشكل حقيقي عن طريق السحر الحقيقي والتعامل المباشر مع الجن , اصر الشيخ موسى بأنه ليس بساحر وان ما لديه هي كرامات نتيجة لزهده وعلمه وان اصحاب العلم لهم كرامات اذا وصلوا بعلمهم الى اسم الله الاعظم , وقد سخر الله له الجن المسلم يعلمهم ويتعلم منهم ولكنه اكد لي ان المسألة ليست بالسهلة لان هذا العلم يحتاج الى الصبر والمثابرة وفي اخر المطاف فإن هذا العلم لا يكتسب بالممارسة ولكنه يمنح هبة من الله .
فأصريت ان يكون لي الحق في شرف المحاولة , فأخبرني ان هناك عرضين تعرض على المختلي وهي من الشيطان وفيها مغريات كثيرة وهناك مكرمة من الرحمن وفيها بركة كبيرة ورضى الرحمن والصبر هما الطريق الى ارقى الدرجات ففهمت الدرس جيدا وكانت البداية .
سكنت في منزل الشيخ موسى وحدد لي احدى الغرف لتكون مقر سكني وتعليمي وكان اول امر علي القيام به ان احدد لي مكان في الغرفة ليكون بمثابة محراب للعبادة , وقال انني سوف ابدأ من الغد بعد صلاة العشاء .
في اليوم الثاني صلينا العشاء في المسجد وبعد الصلاة فوجئت بالشيخ يستدعي بعض الشيوخ ويقول لهم ان اخونا ..فلان.. قرر ان يدخل خلوة ربانية وستكون خلوتة في منزلي فادعوا له بالعون والثبات , فقاموا بتهنئتي وعندما سألت الشيخ محمد عن الامر اخبرني بأن هذا شرف كبير ان تؤدي الخلوة الربانية في منزل الشيخ موسى كما ان الشيوخ سيقرأون لك سورة يس من باب المؤازرة لانك مقدم على امر صعب واوصاني بالصبر مهما حدث .
تم اعداد الغرفة حسب توجيهات الشيخ موسى , على الارضية فرشت 3 قطع من القماش القطيقة 1×1 اخضر واحمر واسود اغلقت النافذة الوحيدة بشكل محكم ستارة سوداء من الغرفة الى دورة المياة بحيث تكون دورة المياة تابعة للغرفة ومعزولة عن بقية المنزل بالستارة , عدت علب من الكبريت مجموعة من الشمع اناء فخاري فحم دائري سريع الاشتعال كانون صغير ملقاط 2 كيلو بخور مشكل من الرخيص مسبحة الفية (ملوية) سجادة منشفة ملابس زير ماء كبير كوب من النحاس صخرة ثقيلة مكسية بالقماش مجموعة اوراق واقلام سكين كبير غرست في احدى زوايا الغرفة (كنت لا اعرف السبب حينها) القليل من الفاكهة .
كانت توجيهات او اوامر الشيخ موسى واضحة جدا جدا وتتمثل في 37 تحذير ليس من بينها ما يخل بالعقيدة في الشكل العام سأذكر بعضا منها .
*لاتخروج من الغرفة الا لدورة المياة .
*لا تتوقف عن ترديد الدعاء وبدون عدد وكان الدعاء مكون من اربع جمل.
(اللهم بحق اسمك الاعظم المختار , من الرحيم الجبار , المعلق مابين الجنة والنار , ..................الخ )
*اذا غلب عليك النعاس توقف عن ترديد الدعاء .
*اذا سمعت اي صوت او شاهدت اي منظر لاتتجاوب معة.
*اجعل ريحة البخور لا تنقطع من الغرفة .
*تصوم يومين وتفطر يوم.
*لا تحاور في امور العقيدة .
*شكك فيما تسمع ولكن لا تتحدى.
*يجب ان تغتسل بشكل يومي .
*لاتغضب ولا تخاف.
*اذا امرك احد بالخروج لا تخرج.
*اذا قررت الخروج بإرادتك فالتنزع السكين قبل خروجك.
*لا توافق على شروط غير ربانية او انسانية (اي كفرية او غير اخلاقية وتعجيزية).
*اذا رأيت السكين سقطت فعليك ان تغرسها مرة اخرى ولكن في زاوية اخرى.
*يجب ان يكون ظهرك دائما مستند الى شيء لا تجعل خلف ظهرك فراغ.
*عند النوم اجعل ظهرك للحائط وضع الصخرة امامك حتى لا تنقلب.
*اجعل نومك قليل جدا .
*لا تكثر من الاكل.
*اذا دخلت عليك انا او الشيخ محمد لنضع مزيدا من الاكل او الماء فلا تلتفت لنا.
*لا تقطع على نفسك وعدا اذا حصل اتفاق وكرر دائما انني سافكر.
*اذا شاهدت انسان او حيوان او اي كائن يقف او يجلس على احدى قطع القماش فبدأ الحوار معة .
*لاتقل شروطك ابدا ولكن قل سأفكر.
بعد كل هذه التجهيزات بدأت الخلوة , كان كل همي هو الوقت كما انني لم اتمكن من ان اكون صافي الذهن لان تفكيري فيما قد يحدث كان يشغل بالي , ورغم ذلك حاولت بكل جهد ان استمر لكي احقق النتائج المطلوبة .....
يتبع
(الاخوة والاخوات حلقة اليوم قد يكون فيها شيء يمس العقيدة لضعاف النفوس والايمان ولكن انا على يقين بأننا جميعا ولله الحمد لا يزعزع ايماننا شيء فقد نشأنا على الايمان ولله الحمد ولكن وجب التنبية , كما ان في الحلقة بعض الحقائق المفيدة ويعتمد استخلاص الفائدة بعد الله على القارىء والله من وراء القصد).