عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 05-27-2010, 12:18 AM
الصورة الرمزية مُنتهى آلرقـه
مُنتهى آلرقـه غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Mar 2010
الدولة: الأمآكن الي مريت إنت بيهآ .,,
المشاركات: 1,259
مُنتهى آلرقـه is on a distinguished road
افتراضي

في أحد لقاءاتي به لاحقاً, ضربت له موعدا في الرواق, بعد أن أبدى اهتمامه بزيارة معرض زيان. كنا نتجول بين اللوحات التي تتقاسم معظمها فكرة الجسور والأبواب العتيقة المواربة, عندما انضمت إلينا فرانسواز التي عرّفته بها قبل ذلك. راحت تسأله بتردد, كيف وجد المعرض. وبعد حديث جدي استعرض فيه سعة ثقافته الفنية أضاف فجأة:

- كجزائري أفهم وجع زيان, وأدري المأساة التي تحملها لوحاته, لكني كمتلق أجد في هذه الجسور الممدة وهذه الأبواب المواربة رمزاً أنثوياً. ولو كان لي أن أختار عنواناً لهذا المعرض لسميته " النساء".

وراح أمام عجبنا يشرح فكرته:

- الباب الموارب هو الغشاء الذي تقبع خلفه كل أنوثة مغلولة بقيد الانتظار. ما هو مشروع منه ليس سوى تلك الدعوة الأبدية للولوج, أما بعضه المغلق, فذلك هو التمنع الصارخ للإغواء.. لذا لم أعرف للنساء باباً عصياً على الانفتاح. إنها قضية وقت يتواصى بالصبر.



نزل علينا أنا وفرانسواز صمت مفاجئ. شعرت بارتباك أنوثتها. كأنما بدأت أبوابها بالانفتاح أمام ذلك الرجل الذي لم تكن توليه اهتماماً في البدء.

لا أدري من أين جاء مراد بذلك التحليل الفرويدي, فقد اعتاد أن يقحم الجنس في كل شيء. حتى إنه ذات مرة راح يقنعنا أثناء مرافعة سياسية دفاعاً عن الديمقراطية, أن الجزائريين ككل العرب ما استطاعوا أن ينجزوا من الانتصارات غير تلك الشعارات المذكرة, فدفعوا من أجل فحولة الاستقلال ملايين البشر, بينما استخفوا بالشعارات المؤنثة, استخفافهم بنسائهم. ولذا كان هوس مراد في المطالبة بتذكير كلمات " الديمقراطية" و " الحرية" عساها تجد طريقها إلى الإنجاز العربي.

عندما حاولت معارضة فكرته, متحججاً بانتماء زيان لجيل لا يرى الأمور بهذه الطريقة, قال:

- الإبداع وليد أحاسيس ودوافع لا شعورية وأنت لن تدري أبداً, مهما اجتهدت, ماذا كان يعني مبدع بلوحة رسمها أو بقصيدة نظمها.

قلت:

- إن كنت تعرف حياة المبدع, تدرك ما أراد إيصاله إليك. حياته هي المفتاح السري لأعماله.

عندما اشتد بنا النقاش قال متهكماً:

- بربك, كيف تحارب الذين يمنعون عنك حرية الرأي إن كنت ترفض عدم تطابقي معك في تفسير لوحة؟ " الحقيقة في الفن هي التي يكون نقيضها حقيقة كذلك".



أكثر من قناعتي برأيه, كنت على قناعة بضرورة إبعاد هذا الرجل عن فرانسواز, حتى لا يفسد علي ما كنت أخطط له منذ شهر, خاصة أنه بعد ذلك عندما جلسنا في المقهى, راح بمزاح لا يخلو من الجدية يوضح لي ما يعتقده شبهاً بين نوعية الأبواب, وما يقابلها من أجناس النساء. فهو يرى الأوربيات مثلا, كالأبواب الزجاجية للمحلات العصرية التي تنفتح حال اقترابك منها, بينما تشهر العربيات في وجهك وقارهن كأبواب خشبية سميكة لمجرد إيهامك أنهن منيعات ومحصنات. وثمة من , حتى لا تستسهلهن,يتبعن بطء الأبواب اللولبية الزجاجية للفنادق التي تدور بك دورة كاملة كي تجتاز عتبة كان يمكن أن تجتازها بخطوة! وأخريات يحتمين بباب عصري مصفح, كثير الأقفال والألسنة, ولكنهن يتركن لك المفتاح تحت دواسة الباب.. كما عن غير قصد.

كان الأمر بالنسبة إليه قضية صبر لا أكثر. لكنه كان يكره مهانة الانتظار خلف باب موصد. كان يحتكم إلى حاسة الفراسة ليعرف نوعية المرأة التي أمامه, وإلى خبرة اللصوص في اكتشاف أي نوع من الأبواب عليه أن يتحدى استعصاءه! وكنت على فرحي بوجوده معي, وحاجتي إلى ما أدخله إلى حياتي من حركة, قررت أن أجعل لقاءاتنا متباعدة, تفادياً لمناوراته الفحولية التي بدأت تحوم حول فرانسواز.



في صباح اليوم التالي, قصدت الرواق بحثاً عن فرانسواز, كما لأتأكد من أنها ما زالت على ذلك القدر من اشتهائها إياي.

لم أكن يوماً رجلاً للمغامرات العابرة. ولا كان يروق لي النوم في شراشف المصادفة. ولكن فرانسواز كانت تعنيني لسبب, وأصبحت تعنيني لسببين.

قد أكون تعلقت بها لحطة شرود عاطفي من أجل رجل, هي المعبر الإجباري لأي طريق يوصل إليه. لكنني الآن أريدها بسبب رجل آخر قررت ألا أدعه يأخذها مني. فقط لأنه يمتلك جسارة ليست من طبعي.

....*

كان في حوزتي ذرائع جميلة تعفيني من الإحساس بالذنب, إن أنا استسلمت لعروضها المواربة.

في الواقع لم يكن لي مفر من تلك النوايا الخبيثة لأسئلة بريئة, تطرحها عليك امرأة تضمر لك متعة شاهقة.. أو هكذا تستنتج من كلامها.

فرانسواز فتحت بجملة واحدة بوابة الشهوات الجهنمية, وتركتني مذهولاً لا أدري كيف أوقف سيل الحمم. أبمقاومتها, أم بالاستسلام لها؟

فأمام أي خيار من الخيارين كان احتمال ندمي قائماً.

لتنجو من أسئلتك, عليك في الجنس أن تتغابى أحياناً, حتى لا تتنبه إلى كونك تذهب نحو المتعة, لأنك تحتاج إلى خيبة صغيرة تلهيك عن خيبات أكبر.

ولذا أنت تحتاج إلى أكاذيب الجسد, إلى غبائه وفسقه وتناسيه, كي تقصد النزوات المسروقة من دون شعور بالذنب.

أنت في حاجة إلى الإذعان للمتعة التي تهيئك للألم, وللألم اللذيذ المخدر الذي يهيئك للموت, مستندا إلى قول عنيف للمركيز دي ساد " لا طريق لمعرفة الموت أفضل من ربطه بمخيلة فاسقة".

وأنت ستحتاج حتما إلى تلك المخيلة, لتوقظ صخب حواس ذكورية تعودت الاستكانة قهراً. تحتاج أن تضرم النار في رغبات مؤجلة دوماً. أنت المسكون بنزوات الذين يذهبون كل صباح نحو موتهم, يستعدون لمواجهة الموت بالصلاة حيناً, وبالآثام الأخيرة أحياناً أخرى.



غير أن قبولي دعوة فرانسواز لقضاء " وقت ممتع" كان يحمل فرحة مشوبة بذعر لم أعرفه من قبل, خشية أن تخونني فحولتي عند اللقاء. حتى إنني, قبل ذلك بليلة, تذكرت مغنية أوبرا شاهدتها تقول في مقابلة تلفزيونية إنها في الليلة التي تسبق حفلاتها تعيش كابوساً مزعجاً ترى فيه نفسها تقف على المسرح وقد فقدت صوتها, مما يجعلها تستيقظ مذعورة كل مرة, وتجلس في سريرها لتجرب صوتها إلى أقصاه, كي تطمئن إلى قوته, ثم تخلد إلى النوم.

تراني بلغت عمر الذعر الذكوري, وذلك الخوف المرضي من فقدان مباغت للفحولة, في تلك اللحظة الأكثر احتياجاً لها, أمام الشخص الذي تريد إدهاشه بالذات؟ أكل رجل هو مغني أوبرا مذعور, لا يدري لفرط صمت أعضائه كيف يختبر صوت رجولته!



فرانسواز وجدت في تمنعي وعدم استعجالي الانفراد بها, شيئاً مغرياً ومثيراً للتحدي الأنثوي الصامت, ومثيراً أيضاً للاحترام. خاصة بعدما اعتذرت عن قبول عرضها الذي أظنه كان نابعاً من طيبتها في استضافتي بعض الوقت في بيتها, لتوفر علي مصاريف الإقامة المكلفة. قالت مثبتة حسن نواياها:

- عندي غرفة إضافية يحدث أن يقيم فيها لبعض الوقت الأصدقاء العابرون لباريس, ومعظمهم من معارف زيان. آخر من شغلها زوجة مدير معهد الفنون الجميلة في الجزائر التي اغتيل زوجها وابنها داخل المعهد. كانت فكرة هذا المعرض لدعم عائلات المبدعين من ضحايا الإرهاب بمبادرة منها, ولهذا ارتأيت أن أستقبلها في بيتي لحاجتها إلى دعم نفسي كبير بعد هذه المحنة.

لم تكن فرانسواز تدري أنها قالت العبارة التي كانت تكفي لإقناعي بأي شيء تعرضه علي بعد الآن.
رد مع اقتباس